فصل: عَوْدٌ إِلَى تَفْسِيرِ الْآيَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.اسْتِطْرَادٌ فِقْهِيٌّ:

حَظَرَ الشَّرْعُ الْإِسْلَامِيُّ نَصْبَ التَّمَاثِيلِ؛ لِأَنَّهَا إِمَّا شِرْكٌ أَوْ ذَرِيعَةٌ إِلَيْهِ، أَوْ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِهِ، وَهِيَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فِي التَّدَلِّي، فَأَغْلَظُهَا أَوَّلُهَا، وَأَخَفُّهَا ثَالِثُهَا. وَلِلتَّشَبُّهِ دَرَجَاتٌ فِي الْحَظْرِ أَشَدُّهَا مَا كَانَ فِي أُمُورِ الدِّينِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ كُفْرًا، وَأَهْوَنُهَا مَا كَانَ فِي الْعَادَاتِ وَأُمُورِ الدُّنْيَا فَنَجْتَنِبُ مِنْهُ مَا لَنَا غِنًى عَنْهُ، وَمَا كَانَ نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ بِنَفْسِهِ لَا نَأْخُذُهُ بِقَصْدِ التَّشَبُّهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ تَعْظِيمِ الْمُتَشَبِّهِ لِغَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِهِ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ أَوْ يَسْتَلْزِمُ احْتِقَارَهَا أَوِ احْتِقَارَهُمْ وَالشُّعُورَ بِأَنَّهُمْ دُونَهُمْ، وَأَمَّا اقْتِبَاسُ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وَالْفُنُونِ وَالصِّنَاعَاتِ النَّافِعَةِ؛ لِأَجْلِ مَنْفَعَتِهَا بِقَدْرِهَا فَلَيْسَ مِنَ التَّشَبُّهِ، وَلَا مِنْ تَفْضِيلِ الْمُقْتَبِسِ مِنْهُمْ عَلَى أَهْلِ مِلَّتِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَيْسَتْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، وَلَا اقْتُبِسَتْ لِأَجْلِ التَّعْظِيمِ بَلْ لِفَائِدَتِهَا، وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ الْفَائِدَةُ مِمَّا تَعْتَزُّ بِهِ مِلَّةُ الْمُقْتَبِسِ الْمُسْتَفِيدِ وَأَهْلِهَا، وَمِنْ ذَلِكَ أَخْذُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَمَلَ الْخَنْدَقِ عَنِ الْفُرْسِ؛ إِذْ أَخْبَرَهُ سَلْمَانُ رضي الله عنه عَنْهُمْ بِذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الْأَخْذُ وَاجِبًا شَرْعًا، وَمِنْهُ أَخْذُنَا لِفُنُونِ الْحَرْبِ وَصِنَاعَتِهَا وَآلَاتِهَا عَنِ الْإِفْرِنْجِ؛ إِذْ أَتْقَنُوهَا قَبْلَنَا، فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ بِلَا نِزَاعٍ، فَالْأُمَّةُ الْحَيَّةُ تَقْتَبِسُ كُلَّ شَيْءٍ نَافِعٍ يُغَذِّي حَيَاتَهَا، وَيَزِيدُهَا قُوَّةً وَعِزَّةً، وَتَتَّقِي فِي ذَلِكَ كُلَّ مَا فِيهِ ضَعْفٌ لَهَا فِي مُقَوِّمَاتِهَا أَوْ مُشَخِّصَاتِهَا، وَلاسيما إِذَا كَانَ فِيهِ تَفْضِيلٌ لِخُصُومِهَا أَوْ غَيْرِهِمْ عَلَيْهَا، وَقَدْ فَطِنَ الْيَابَانُ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَحَافَظُوا عَلَى شُئُونِهِمُ الْمِلِّيَّةِ وَالْقَوْمِيَّةِ عِنْدَ اقْتِبَاسِهِمْ لِعُلُومِ الْفِرِنْجَةِ وَفُنُونِهَا، فَصَارُوا مِثْلَهُمْ فِي ثُلُثِ قَرْنٍ، وَغَفَلَ عَنْهُ التُّرْكُ وَالْمِصْرِيُّونَ فَأَضَاعُوا مِنْ مُلْكِهِمْ.
وَلَيْسَ فِي نَصْبِ التَّمَاثِيلِ فَائِدَةٌ وَمَنْفَعَةٌ ذَاتُ بَالٍ لَا تَحْصُلُ بِغَيْرِهَا تُبِيحُ لِلْمُسْلِمِينَ تَقْلِيدَ الْوَثَنِيِّينَ وَالنَّصَارَى فِيهَا، وَلَوْ فِي جَعْلِهَا لِغَيْرِ رِجَالِ الدِّينِ بُعْدًا عَنْ شُبْهَةِ عِبَادَتِهَا، وَمَنْ ذَا الَّذِي يَأْمَنُ هَذَا وَقَدْ عُبِدَتْ قُبُورُ الْأَوْلِيَاءِ، وَأَئِمَّةِ آلِ الْبَيْتِ، كَمَا عَبَدَ غُلَاةُ الشِّيعَةِ مِنَ الْبَاطِنِيَّةِ أَشْخَاصًا مِنْهُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، وَنَرَى الشِّيعَةَ الْمُعْتَدِلِينَ الَّذِينَ اسْتَبَاحُوا نَصْبَ التَّمَاثِيلِ غَيْرِ الدِّينِيَّةِ قَدِ اتَّخَذَ بَعْضُهُمْ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ تِمْثَالًا لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ فِي بِلَادِ إِيرَانَ كَمَا نَقَلَتْ صُحُفُ الْأَخْبَارِ عَنْهُمْ، وَأَمَّا الصُّوَرُ فَلَهَا فَوَائِدُ فِي الْحَرْبِ، وَحِفْظِ الْأَمْنِ، وَتَحْقِيقِ مَعَانِي اللُّغَةِ، وَكَثِيرٍ مِنَ الْعُلُومِ، ولاسيما الطِّبُّ وَالتَّشْرِيحُ... فَلَا يَحْظُرُ مِنْهَا مَا لَيْسَ عِبَادَةً، وَلَا تَشَبُّهًا بِعَبَدَةِ الْأَصْنَامِ بِدَلِيلِ مَا ثَبَتَ فِي السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَتْكِ الْقِرَامِ-السِّتَارِ- الَّذِي نَصَبَتْهُ عَائِشَةُ فِي حُجْرَتِهَا؛ إِذْ كَانَ عَلَى هَيْئَةِ الصُّوَرِ وَالتَّمَاثِيلِ الْمَعْبُودَةِ، فَلَمَّا جَعَلَتْ مِنْهُ وِسَادَةً كَانَ صلى الله عليه وسلم يَسْتَعْمِلُهَا وَفِيهَا الصُّوَرُ؛ إِذْ كَانَ الِاتِّكَاءُ وَالنَّوْمُ عَلَيْهَا امْتِهَانًا لَا تَعْظِيمًا، وَلَا يُشْبِهُ التَّعْظِيمَ الْوَثَنِيَّ. وَقَدْ حَقَّقْنَا هَذَا الْبَحْثَ بِبَيَانِ مَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ وَأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ فِي فَتَاوَى الْمَنَارِ مِرَارًا.

.عَوْدٌ إِلَى تَفْسِيرِ الْآيَةِ:

مَعْنَى النَّظْمِ الْكَرِيمِ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ أَنَّهُمْ تَجَاوَزُوهُ بِعِنَايَتِهِ سُبْحَانَهُ، وَتَأْيِيدِهِ إِيَّاهُمْ بِفَلْقِ الْبَحْرِ، وَتَيْسِيرِ الْأَمْرِ، حَتَّى كَأَنَّهُ كَانَ مَعَهُمْ بِذَاتِهِ فَجَاوَزَهُ مُصَاحِبًا لَهُمْ، أَوِ الْمَعْنَى: أَنَّنَا أَيَّدْنَاهُمْ بِبَعْضِ مَلَائِكَتِنَا، فَجَاوَزَ بِهِمُ الْبَحْرُ بِأَمْرِنَا، فَمِنَ الْمَعْهُودِ فِي اللُّغَةِ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى الْمُلُوكِ، وَرُؤَسَاءِ الْقُوَّادِ مَا يُنَفِّذُهُ بَعْضُ أَتْبَاعِهِمْ بِأَمْرِهِمْ، وَمَا يَقَعُ بِجَاهِهِمْ وَقُوَّةِ سُلْطَانِهِمْ، وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ. فَفَرْقُ الْبَحْرِ بِهِمْ كَانَ بِعِنَايَةِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ. وَفِي آخِرِ الْفَصْلِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ سِفْرِ الْخُرُوجِ ذَكَرَ خَبَرَ ارْتِحَالِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَالَ: (20) وَكَانَ الرَّبُّ يَسِيرُ أَمَامَهُمْ نَهَارًا فِي عَمُودٍ مِنْ غَمَامٍ؛ لِيَهْدِيَهُمُ الطَّرِيقَ، وَلَيْلًا فِي عَمُودٍ مِنْ نَارٍ؛ لِيُضِيءَ لَهُمْ لِيَسِيرُوا نَهَارًا وَلَيْلًا (21) لَمْ يَبْرَحْ عَمُودَ الْغَمَامِ نَهَارًا أَوْ عَمُودَ النَّارِ لَيْلًا مِنْ أَمَامِ الشَّعْبِ ثُمَّ جَاءَ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْهُ بَعْدَ ذِكْرِ اتِّبَاعِ فِرْعَوْنَ وَمَنْ مَعَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (19) فَانْتَقَلَ مَلَاكُ اللهِ السَّائِرُ أَمَامَ عَسْكَرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَصَارَ وَرَاءَهُمْ وَانْتَقَلَ عَمُودُ الْغَمَامِ مِنْ أَمَامِهِمْ فَوَقَفَ (20) وَرَاءَهُمْ وَدَخَلَ بَيْنَ عَسْكَرِ الْمِصْرِيِّينَ وَعَسْكَرِ إِسْرَائِيلَ؛ فَكَانَ مِنْ هُنَا غَمَامًا مُظْلِمًا، وَكَانَ مِنْ هُنَاكَ يُنِيرُ اللَّيْلَ فَلَمْ يَقْتَرِبْ أَحَدٌ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ طُولَ اللَّيْلِ.
هَذَا بَعْضُ مَا جَاءَ فِي التَّوْرَاةِ مِمَّا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ} بِالْبَاءِ هُنَا لِلْمُصَاحَبَةِ كَقَوْلِكَ: سَافَرْتُ بِهِ وَجِئْتُ بِهِ، وَإِسْنَادُ الْمَسِيرِ فِي عَمُودِ الْغَمَامِ إِلَى الرَّبِّ مَجَازِيٌّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} (2: 210) {فَأَتَوْا} عَقِبَ تَجَاوُزِهِمْ إِيَّاهُ، وَدُخُولِهِمْ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ مِنَ الْبَرِّ الْأَسْيَوِي عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ يَعْبُدُونَهَا، فَمَاذَا كَانَ مِنْ شَأْنِهِمْ إِذْ رَأَوْهُمْ يَعْبُدُونَ غَيْرَ اللهِ تَعَالَى كَالْمِصْرِيِّينَ الَّذِينَ أَنْقَذَهُمُ اللهُ تَعَالَى مِنْهُمْ، وَأَرَاهُمْ آيَاتِهِ عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ فِيهِمْ؟ هَلِ اسْتَهْجَنُوا شِرْكَهُمْ وَأَنْكَرُوهُ كَمَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ؟ وَالْمَعْقُولُ مِمَّنْ رَأَى مَا رَأَوْا مِنْ سُوءِ مَصِيرِ الْمُشْرِكِينَ، وَحُسْنِ عَاقِبَةِ الْمُوَحِّدِينَ؟ الْجَوَابُ: أَنَّهُمْ لَمْ يُنْكِرُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَلَا بِقُلُوبِهِمْ، بَلْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً حَنِينًا مِنْهُمْ إِلَى مَا أَلِفُوا فِي مِصْرَ مِنْ عِبَادَةِ آلِهَةِ الْمِصْرِيِّينَ وَتَمَاثِيلِهَا وَأَنْصَابِهَا وَقُبُورِهَا، فَعَلِمَ بِهَذَا الطَّلَبِ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا فَهِمُوا التَّوْحِيدَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى كَمَا فَهِمَهُ مَنْ آمَنَ مِنْ سَحَرَةِ الْمِصْرِيِّينَ؛ لِأَنَّ السَّحَرَةَ كَانُوا مِنَ الْعُلَمَاءِ فَأَمْكَنَهُمُ التَّمْيِيزَ بَيْنَ آيَاتِ اللهِ تَعَالَى الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ، وَبَيْنَ السِّحْرِ الَّذِي هُوَ مِنْ صِنَاعَاتِ الْبَشَرِ وَعُلُومِهِمْ، وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الْإِسْرَائِيلِيُّونَ فَكَانُوا مِنَ الْعَامَّةِ الْجَاهِلِينَ الَّذِينَ بَلَّدَ الذُّلُّ أَفْهَامَهُمْ، وَإِنَّمَا اتَّبَعُوا مُوسَى لِإِنْقَاذِهِ إِيَّاهُمْ مِنْ ظُلِمَ فِرْعَوْنَ وَتَعْبِيدِهِ لَهُمْ، لَا لِفَهْمِهِمْ حَقِيقَةَ التَّوْحِيدِ بِالْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ؛ وَلِذَلِكَ قِيلَ إِنَّهُمْ بَعْضُ الْقَوْمِ لَا جَمِيعُهُمْ، فَالتَّوْحِيدُ الْمَحْضُ الْخَالِصُ مِنْ شَوَائِبِ الشِّرْكِ وَالْوَثَنِيَّةِ هُوَ غَايَةُ مَا يَرْتَقِي إِلَيْهِ عِرْفَانُ الْبَشَرِ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (51: 56) عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اللَّامَ لِلْغَايَةِ، وَهُوَ لَا يَقْتَضِي حُصُولَهُ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْهُمْ، وَلَوْ عَقَلَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كُنْهَ التَّوْحِيدِ لِمَا وَقَعَ مِنْ تَبَرُّمِهِمْ بِالتَّكَالِيفِ، وَتَمَرُّدِهِمْ عَلَى مُوسَى صلى الله عليه وسلم مَا قَصَّهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْنَا فِي كِتَابِهِ، وَفِي التَّوْرَاةِ الَّتِي لَدَيْهِمْ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ وَالتَّفْصِيلِ لَهُ مَا هُوَ مِنْ مُوَاطِنِ الْعَجَبِ، وَقَدِ ابْتَلَاهُمُ اللهُ تَعَالَى وَرَبَّاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، وَحَرَّمَ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ، حَتَّى انْقَرَضَ ذَلِكَ الْجِيلُ الَّذِي نَشَأَ فِي حِجْرِ الْوَثَنِيَّةِ، وَشَبَّ أَوِ اكْتَهَلَ أَوْ شَاخَ، فِي ذُلِّ الْعُبُودِيَّةِ الْفِرْعَوْنِيَّةِ، وَقَدْ رَأَيْنَا نَمُوذَجًا لِذَلِكَ فِي طَوَائِفَ مِنْ أُمَّتِنَا وُلِدُوا فِي مَهْدِ الظُّلْمِ، وَشَبُّوا فِي حِجْرِ النِّفَاقِ وَالْفِسْقِ، فَسَنَحَتْ لِأَعْلَمِهِمْ بِشُئُونِ الِاجْتِمَاعِ وَالْعُمْرَانِ فُرَصٌ مُتَعَدِدَةٌ، كَانَ يُرْجَى أَنْ يُحَرِّرُوا فِيهَا أَنْفُسَهُمْ مِنْ رِقِّهَا السِّيَاسِيِّ وَيَسْتَقِلُّوا بِأَمْرِهِمْ فَأَضَاعُوهَا وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى، وَكَانَ هَذَا مِنْ عِبَرِ التَّارِيخِ الَّتِي تُثْبِتُ أَنَّ فَلَاحَ الْأُمَمِ بِأَخْلَاقِهَا وَعَقَائِدِهَا، وَأَنَّ الْعِلْمَ النَّاقِصَ شَرٌّ مِنَ الْجَهْلِ الْمُطْلَقِ، وَأَنَّ الْعِلْمَ الصَّحِيحَ فِي الرَّجُلِ أَوِ الشَّعْبِ الْفَاسِدِ الْأَخْلَاقِ كَالسَّيْفِ فِي يَدِ الْمَجْنُونِ رُبَّمَا جَنَى بِهِ عَلَى صَدِيقِهِ أَوْ عَلَى نَفْسِهِ، وَرُبَّمَا نَصَرَ بِهِ عَدُوَّهُ.
وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا كِتَابُ اللهِ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْقَوْمِ الَّذِينَ أَتَى عَلَيْهِمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَقِبَ خُرُوجِهِمْ مِنْ مِصْرَ إِلَى أَرْضِ الْعَرَبِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ مِنَ الْعَرَبِ الَّذِينَ كَانُوا يُقِيمُونَ بِقُرْبِ حُدُودِ مِصْرَ، رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُمْ مِنْ عَرَبِ لَخْمٍ، وَعَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ: لَخْمٌ وَجُذَامٌ، وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ أَصْنَامَهُمْ كَانَتْ تَمَاثِيلَ بَقَرٍ مِنْ نُحَاسٍ، فَلَمَّا كَانَ عِجْلُ السَّامِرِيِّ شُبِّهَ لَهُمْ أَنَّهُ مِنْ تِلْكَ الْبَقَرِ فَذَاكَ كَانَ أَوَّلَ شَأْنِ الْعِجْلِ؛ لِتَكُونَ لِلَّهِ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ فَيَنْتَقِمَ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَقُولُ: وَلَمْ يَكُنِ ابْنُ جُرَيْجٍ يَعْلَمُ أَنَّ قُدَمَاءَ الْمِصْرِيِّينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ عِجْلًا اسْمُهُ أَبِيسُ، وَكَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَعْبُدُونَهُ مَعَهُمْ كَغَيْرِهِ مِنْ مَعْبُودَاتِهِمْ، وَيَرَوْنَ تَمَاثِيلَهُ مَنْصُوبَةً فِي مَعَابِدِهِمْ، وَأَنَّ السَّامِرِيَّ لَمْ يَصْنَعْ لَهُمُ الْعِجْلَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا لِمَا كَانَ مِنْ إِلْفِهِمْ لِعِبَادَتِهِ، وَتَأَثُّرِ أَعْصَابِهِمْ بِمَا وَرِثُوا مِنْ مَظَاهِرِ رَوْعَتِهِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} (2: 93) وَالْمُرَادُ عِجْلُ السَّامِرِيِّ، وَقَدْ عَلَّلَ إِشْرَابَهُمْ إِيَّاهُ فِي قُلُوبِهِمْ بِمَا كَانَ مِنْ كُفْرِهِمُ السَّابِقِ؛ أَيْ: بِالْوِرَاثَةِ الْمُتَغَلْغِلَةِ فِي النَّفْسِ بِطُولِ الزَّمَانِ، وَتَعَاقُبِ الْأَجْيَالِ، فَذَلِكَ الَّذِي يَطُولُ تَأْثِيرُهُ فِي الْأَعْقَابِ وَالْأَنْسَالِ. أَلَمْ تَرَ إِلَى مَا اسْتَحْدَثَهُ بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ فِي الْإِسْلَامِ، وَقَلَّدَهُمْ فِيهِ بَعْضُ الْمُلُوكِ مِنَ الْمَنْسُوبِينَ إِلَى السُّنَّةِ: مِنْ تَشْيِيدِ الْقُبُورِ، وَتَزْيِينِهَا بِالْعَمَائِمِ وَالسُّتُورِ، وَبِنَاءِ الْقِبَابِ فَوْقَهَا، وَاتِّخَاذِهَا مَسَاجِدَ يُصَلَّى إِلَيْهَا أَوْ لَدَيْهَا، وَإِيقَادِ السُّرُجِ وَالشُّمُوعِ عَلَيْهَا، أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ لَهَا مَكَانَةً دِينِيَّةً كَبِيرَةً فِي قُلُوبِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى صَارَتْ عِنْدَهُمْ مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ، بِحَيْثُ يَعُدُّونَ مَنْ رَوَى لَهُمُ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ فِي لَعْنِ اللهِ وَرَسُولِهِ لِمَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مُبْتَدِعًا فِيهِ أَوْ مَارِقًا مِنْهُ، وَيَنْبِزُونَهُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ بِلَقَبِ وَهَّابِيٍّ إِذْ كَانَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْحَنَابِلَةِ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ سُمِّيَتِ الْوَهَّابِيَّةَ قَدْ عَمَدُوا إِلَى إِزَالَةِ هَذِهِ الْمُنْكَرَاتِ بِأَيْدِيهِمْ، لَمَّا لَمْ يُؤَثِّرْ فِي إِزَالَتِهَا إِنْكَارُ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ الْمُصْلِحِينَ لَهَا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَأَقْلَامِهِمْ، عَمَلًا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ يَعْنِي الْإِنْكَارَ بِالْقَلْبِ وَحْدَهُ، وَلَوْ مَعَ الْعَجْزِ عَمَّا فَوْقَهُ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، إِذَا عَلِمْنَا هَذَا الشَّأْنَ مِنْ شُئُونِ الضَّعْفِ الْبَشَرِيِّ فَلَا نَعْجَبُ أَنْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ حَدِيثِي الْعَهْدِ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالْإِسْلَامِ، مِثْلُ مَا طَلَبَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِمَا كَانَ مِنْ تَأْثِيرِ مَظَاهِرِ الْوَثَنِيَّةِ فِي قُلُوبِهِمْ. رَوَى أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، وَأَكْثَرُ مُصَنِّفِي التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ حُنَيْنٍ فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، اجْعَلْ لَنَا هَذِهِ ذَاتَ أَنْوَاطٍ، كَمَا لِلْكُفَّارِ ذَاتُ أَنْوَاطٍ فَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، هَذَا كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ لَتَرْكَبُونَ سُنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ» وَرَوَى نَحْوَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالطَّبَرَانِيُّ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا، وَذَكَرَ أَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي طَلَبُوا فِيهِ ذَلِكَ بَيْنَ حُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ، وَالْعِبْرَةُ فِي هَذَا أَنَّ لِلْمُسْلِمِينَ الْآنَ ذَوَاتِ أَنْوَاطٍ فِي بِلَادٍ كَثِيرَةٍ كَشَجَرَةِ السِّتِّ الْمُنْدِرَةِ وَشَجَرَةِ الْحَنَفِيِّ بِمِصْرَ، وَنَحْوٌ مِنْ ذَلِكَ مَا اتَّخَذُوهُ مِنَ الْقُبُورِ وَالْأَشْجَارِ وَالْأَحْجَارِ وَالْآبَارِ يَعْكُفُونَ عَلَيْهَا، وَيَطُوفُونَ حَوْلَهَا، وَيُقَبِّلُونَهَا وَيَتَمَرَّغُونَ بِأَعْتَابِهَا، وَيَتَمَسَّحُونَ بِهَا خَاضِعِينَ ضَارِعِينَ، خَاشِعِينَ دَاعِينَ رَاجِينَ شِفَاءَ الْأَدْوَاءِ، وَالِانْتِقَامَ مِنَ الْأَعْدَاءِ، وَالْغِنَى وَالثَّرَاءَ، وَحَبَلَ الْعَقِيمِ، وَرَدَّ الضَّالَّةِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ النَّفْعِ وَكَشْفِ الضُّرِّ، خِلَافٌ لِنُصُوصِ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهَا تُسَمَّى فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ آلِهَةً، وَأَنَّ جُلَّ مَا يَأْتُونَهُ عِنْدَهَا يُسَمَّى عِبَادَةً، وَأَنَّهُ شِرْكٌ جَلِيٌّ لَا يُغْفَرُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شِرْكِ عَرَبِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَمْثَالِهِمْ إِلَّا الِاخْتِلَافُ فِي التَّسْمِيَةِ، فَأُولَئِكَ كَانُوا يُسَمُّونَ الْأَشْيَاءَ بِأَسْمَائِهَا؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَهَؤُلَاءِ تَحَامَوْا إِطْلَاقَ لَفْظِ الْإِلَهِ وَالْمَعْبُودِ وَالْعِبَادَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَاسْتَبَاحُوا غَيْرَهَا مِنَ الْأَلْفَاظِ كَالْأَوْلِيَاءِ وَالشُّفَعَاءِ وَالْوَسِيلَةِ وَالتَّوَسُّلِ، وَهِيَ مُشْتَرِكَةٌ أَيْضًا، وَلَكِنَّهَا اسْتُعْمِلَتْ فِي الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ الْمَعَانِي الَّتِي كَانَتْ تُسْتَعْمَلُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، كَأَنَّ اللهَ تَعَبَّدَ النَّاسَ بِإِطْلَاقِ الْأَلْفَاظِ دُونَ حَقَائِقِ الْمَعَانِي، وَحَقِيقَةُ مَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَفِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَكَذَا فِي غَيْرِهَا مِنَ اللُّغَاتِ: يَشْمَلُ كُلَّ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ يُوَجَّهُ إِلَى مُعَظَّمٍ يُرْجَى نَفْعُهُ أَوْ يُخْشَى ضَرُّهُ وَحْدَهُ- وَهَذَا تَوْحِيدٌ لَهُ- أَوْ يُرْجَى وَيُخَافُ بِالتَّأْثِيرِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى- وَهَذَا هُوَ الشِّرْكُ- بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الرَّجَاءُ فِيهِ أَوِ الْخَوْفُ مِنْهُ لِأَمْرٍ غَيْبِيٍّ خَارِجٍ عَنِ الْأُمُورِ الْكَسْبِيَّةِ، وَالْأَسْبَابِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُ هَذَا آنِفًا وَقَبْلَهُ مِرَارًا، وَيَظُنُّ أَهْلُ الْعِلْمِ بِكُتُبِ الْفِقْهِ وَالْكَلَامِ الَّذِينَ لَمْ يَطَّلِعُوا عَلَى مِلَلِ الْوَثَنِيِّينَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي يَتَبَرَّكُونَ بِهَا لِذَاتِهَا، وَأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا تَضُرُّ وَتَنْفَعُ بِقُدْرَتِهَا وَإِرَادَتِهَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ يَتَوَسَّلُونَ بِهَا إِلَى الْخَالِقِ كَمَا حَكَى اللهُ تَعَالَى عَنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ بَعْضِ عُلَمَائِهِمْ فِي الْهِنْدِ.
مَاذَا كَانَ جَوَابُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ وَصَفَهُمْ بِالْجَهْلِ الْمُطْلَقِ غَيْرِ مُتَعَلِّقٍ بِشَيْءٍ، وَهُوَ عَلَى طَرِيقَتِنَا وَطَرِيقَةِ ابْنِ جَرِيرٍ، وَالْخَصَّافِ: يَشْمَلُ كُلَّ مَا يَصْلُحُ لَهُ مِنَ الْجَهْلِ الَّذِي هُوَ فَقْدُ الْعِلْمِ، وَالْجَهْلِ الَّذِي هُوَ سَفَهُ النَّفْسِ وَطَيْشُ الْعَقْلِ، وَأَهَمُّهُ الْمُنَاسِبُ لِلْمَقَامِ جَهْلُ التَّوْحِيدِ، وَمَا يَجِبُ مِنْ إِفْرَادِ الرَّبِّ تَعَالَى بِالْعِبَادَةِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَلَا التَّقَيُّدِ بِمَظْهَرٍ مِنَ الْمَظَاهِرِ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ مَعَهُ، وَلاسيما مَظْهَرُ الْأَصْنَامِ وَالتَّمَاثِيلِ لِبَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي اغْتَرَّ الْجَاهِلُونَ مِنْ قَبْلُ بِنَفْعِهَا أَوِ الْخَوْفِ مِنْ ضَرَرِهَا، فَالْأَوَّلُ كَالْكَوَاكِبِ وَالنِّيلِ وَالْعِجْلِ أَبِيسَ، وَالثَّانِي كَالثُّعْبَانِ، ثُمَّ جَهْلِ مَا كَرَّمَ اللهُ تَعَالَى بِهِ الْبَشَرَ فَجَعَلَهُمْ أَهْلًا لِمَعْرِفَتِهِ وَدُعَائِهِ وَمُنَاجَاتِهِ كِفَاحًا بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ يُقَرِّبُهُمْ إِلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ أَقْرَبُ إِلَيْهِمْ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، وَهُوَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي يُتَوَجَّهُ إِلَيْهِ، وَيُقْصَدُ وَحْدَهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ إِمَامَا الْمُوَحِّدِينَ، إِبْرَاهِيمُ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالتَّسْلِيمُ: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (6: 79) {وَأَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} (3: 20).